مع اقتراب نهاية عام 2025، يتطلع قطاع العملات الرقمية المُشفرة إلى عام 2026 الذي يتوقع خبراء كبار أن يكون "أصعب اختبار" يواجهه القطاع حتى الآن. لا يتعلق هذا التحدي بتقلبات الأسعار المعتادة، بل بموجة من الضغوط المؤسسية والاقتصادية الكبرى التي ستختبر قدرة هذه الأصول على التحول من سوق مضاربة إلى جزء ناضج من النظام المالي العالمي.

تتبنى ثلاثة من أبرز الشخصيات في العالم المالي والاقتصادي رؤى مختلفة تحذر من تحولات جوهرية قادمة.

1. كيلفين أو ليري: تركيز رأس المال المؤسسي وموت "صيد العملات"

يبدأ المستثمر الشهير والمشارك في برنامج "شارك تانك" من فرضية بسيطة: مع تدفق رأس المال المؤسسي الضخم (مثل صناديق التقاعد والاستثمار)، ستتغير قواعد اللعبة جذريًا.

· من التشتت إلى التركيز: يستشهد أو ليري بتجربته الشخصية، حيث قلص محفظته من 27 عملة مختلفة إلى ثلاث فقط: البيتكوين، والإيثيريوم، وعملة مستقرة للسيولة. يُجسد هذا التحول مسار القطاع بأكمله.

· وظيفة محددة لكل أصل: يُعرّف أو ليري هذه الأصول الثلاثة بناءً على وظيفتها:

· البيتكوين: تحوط ضد التضخم، أشبه بـ "الذهب الرقمي" يعتمد على الندرة واللامركزية.

· الإيثيريوم: ليس عملة، بل بنية تحتية أساسية لنظام مالي جديد، وقيمته طويلة الأجل مرتبطة بتقنيته.

· العملات المستقرة: تُحفظ من أجل المرونة والسيولة، وليس من أجل تحقيق مكاسب رأسمالية.

· توقعات 2026: مع تقدم التنظيم وزيادة المشاركة المؤسسية، يتوقع أو ليري أن يتركز 90% من رأس المال المؤسسي حول البيتكوين والإيثيريوم كأصول أساسية، بينما ستكافح آلاف العملات الأخرى (Altcoins) لتبرير وجودها، مما سيؤدي إلى موجة اندماج واختفاء واسعة. سيتحول الاستثمار من المضاربة على المشاريع الصغيرة إلى بناء محفظة منضبطة كما هو الحال في الأصول التقليدية.

2. يانيس فاروفاكيس: الدولار ينتقل إلى السلسلة.. ولكن تحت سيطرة من؟

ينتقل الاقتصادي اليوناني ووزير المالية السابق إلى مستوى أعمق، محذرًا من أن المعركة الحقيقية في 2026 ستكون حول السيطرة على البنى النقدية للعملات الرقمية، وخاصة العملات المستقرة.

· استيعاب النظام لا تحديه: يرى فاروفاكيس أن التشريعات الأمريكية الجديدة (مثل قانون GENIUS) تهدف إلى دمج العملات المستقرة كـ امتداد للنظام المالي القائم، وليس تحديه. تُستخدم العملات المستقرة المقومة بالدولار لتعزيز هيمنة الدولار في المدفوعات العالمية.

· مفارقة خطيرة: يشير إلى أن سياسات مثل "اتفاق مار-أ-لاغو" تهدف إلى إضعاف قيمة صرف الدولار مع الحفاظ على هيمنته في المدفوعات، مما يخلق تناقضًا ينطوي على مخاطر هيكلية.

· خطر التمركز وفقدان السيادة: التحذير الأكبر لفاروفاكيس هو تخلي الدول عن السيطرة النقدية. حيث أن الشركات في ماليزيا وإندونيسيا وأوروبا تستخدم بشكل متزايد عملات مستقرة مثل "الثير" (Tether)، مما يعني أن البنوك المركزية لهذه الدول تفقد السيطرة فعليًا على عرض النقود، وبالتالي قدرتها على تنفيذ السياسة النقدية، مما يزيد من عدم الاستقرار المالي.

· خط الصدع النظامي: في 2026، ستصبح العملات المستقرة "خط صدع" مالي نظامي. أي فشل كبير لمُصدر مركزي للعملات المستقرة يمكن أن يؤدي إلى صدمة مالية عابرة للحدود، ويكشف عن أكبر نقطة ضعف للعملات الرقمية: ليست التقلبات، بل تشابكها المتزايد مع هياكل السلطة التقليدية.

3. ستيف هانكي: الركود الاقتصادي.. الامتحان النهائي

يقدم ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس رونالد ريغان، السيناريو الاقتصادي الكلي الذي ستجري فيه هذه الاختبارات.

· الركود قادم: يتوقع هانكي أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو ركود، ليس بسبب التضخم، بل بسبب عدم اليقين السياسي (مثل السياسات التجارية المتقلبة) وضعف النمو النقدي.

· تأثير الترقب: يؤدي هذا عدم اليقين إلى تجمد الاستثمارات، حيث يفضل المستثمرون الانتظار حتى "تستقر الأمور".

· استجابة الفيدرالي المتوقعة: في ظل تدهور الأوضاع، يتوقع هانكي أن يستجيب الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة سياسة نقدية أكثر تساهلاً (خفض أسعار الفائدة).

· الاختبار الحقيقي للعملات الرقمية: بينما لا يتناول هانكي العملات الرقمية مباشرة، إلا أن سيناريوهه يضع الإطار لاختبارها الأصعب. فالدورات الاقتصادية التي تتميز بشح السيولة أولاً، ثم التيسير المفاجئ، هي التي تكشف المواطن الهيكلية الضعيفة في أي نظام مالي. في عام 2026، ستختبر هذه الظروف ليس فقط أي الأصول سينمو أسرع، بل أي البنى التحتية قوية بما يكفي لتحمل الانكماش والضغوط النظامية.

الخلاصة: 2026 عام البنى التحتية، لا المضاربة

تجمع هذه الرؤى الثلاث على صورة موحدة: عام 2026 لن يكون عامًا للبحث عن "العملة الرقمية التالية التي ستضاعف قيمتها مئة مرة"، بل سيكون عام الفحص الدقيق والضغط الهيكلي.

ستُفرز السوق بين الأصول ذات القيمة والوظيفة الحقيقية (مثل البيتكوين والإيثيريم) وتلك التي لا تملك سوى قصص مضاربة. الأهم من ذلك، أن القطاع بأكمله سيواجه أسئلة وجودية حول السيادة، والرقابة، ودرجة ارتباطه بالنظام المالي القديم الذي جاء ليحاربه في الأصل. نتيجة هذا الاختبار ستحدد شكل الصناعة للعقد القادم.

@Binance Square Official