مع اقتراب نهاية عام 2025، تتجه أنظار المستثمرين في جميع الأسواق المالية، التقليدية والرقمية على حد سواء، نحو البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفيدرالي) وسياساته النقدية المُقبلة. وعلى الرغم من تنفيذه ثلاث عمليات خفض لأسعار الفائدة خلال العام الماضي، إلا أن رد فعل أسواق العملات المشفرة كان مفاجئاً وغير تقليدي، حيث شهدت تراجعات حادة. تُحلل هذه المقالة، استناداً إلى آراء محللين في هذا المجال، السيناريوهين المحتملين لتأثير سياسات الفيدرالي في الربع الأول من عام 2026 على أبرز العملات الرقمية: البيتكوين (BTC) والإيثيريوم (ETH).

السياق الحالي: خفض الفائدة لم يُشعل سوق التشفير
خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات في عام 2025، كانت معظمها في الربع الأخير، كرد فعل على ارتفاع نسبي في معدلات البطالة وبداية ظهور مؤشرات على انحسار التضخم. بالمقارنة مع النظرية المالية التقليدية، التي ترى أن خفض الفائدة عادةً ما يحفز الاستثمار في الأصول الخطرة (مثل العملات المشفرة)، كان رد فعل السوق مخيباً للآمال. فقد شهدت البيتكوين والإيثيريوم والعملات البديلة الرئيسية الأخرى موجات بيع قوية، متسببة في فقدان إجمالي القيمة السوقية لأكثر من 1.45 تريليون دولار من أعلى مستوى قياسي سجلته في أكتوبر 2025.

يرجع هذا التفاعل المُتناقض ظاهرياً إلى تردد الفيدرالي في تقديم توجيهات مستقبلية واضحة. فقد أكد عدد من مسؤولي البنك، بمن فيهم رئيس بنك نيويورك "جون ويليامز"، على استمرار مخاطر التضخم واعتماد القرارات المستقبلية على البيانات الاقتصادية، دون إعطاء أي إشارة مؤكدة لاستمرار سياسة التيسير النقدي.
السيناريو الأول: توقف الفيدرالي عن الخفض وضغوط التضخم المستمرة
إذا قرر الفيدرالي وقف خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2026، مع استمرار مؤشرات على ضغوط تضخمية، فإن هذا السيناريو يعتبر الأكثر تشاؤماً لأسواق التشفير. في هذه الحالة، لن يحصل المستثمرون على الحافز النقدي المتوقع الذي يساعد عادة في دعم أسعار الأصول الخطرة.

يتوقع "جيف مي"، الرئيس التنفيذي للعمليات في بورصة العملات المشفرة "BTSE"، في ظل هذا الظرف، أن ينخفض سعر البيتكوين إلى مستوى 70,000 دولار، بينما قد يهوي سعر الإيثيريوم إلى ما يقارب 2,400 دولار. ويعكس هذا التوقع تخوف السوق من أن التضخم العنيد قد يضطر الفيدرالي إلى الإبقاء على سياسة نقدية أكثر تشدداً مما يرغب المستثمرون.
السيناريو الثاني: "التيسير الكمي الخفي" كعامل استقرار
على الجانب الآخر، هناك عامل آخر قد يلعب دوراً حاسماً في استقرار الأسواق، ألا وهو السيولة. في ديسمبر 2025، أنهى الفيدرالي رسمياً سياسة "التشديد الكمي" (QT) وبدأ برنامجاً جديداً أسماه "عمليات شراء إدارة الاحتياطيات" (RMPs).
· طبيعة البرنامج: يتضمن هذا البرنامج شراء ما قيمته حوالي 40 مليار دولار من أوراق الخزانة الحكومية قصيرة الأجل. الهدف المعلن هو استقرار احتياطيات البنوك وتخفيف الضغوط في أسواق المال قصيرة الأجل.
· التأثير على السيولة: يصف بعض المحللين هذه الخطوة بأنها شكل من أشكال "التيسير الكمي (QE) الخفي"، حيث أنها تضخ سيولة جديدة إلى النظام المالي بشكل غير مباشر. تُعد السيولة الدم الذي يجري في عروق الأسواق المالية، وزيادتها تدعم عادةً "شهية المخاطرة" لدى المستثمرين.
إذا استمر تنفيذ برنامج "RMPs" خلال الربع الأول من 2026، حتى لو كان بوتيرة أبطأ من برامج التيسير الكمي الهائلة التي شهدناها خلال جائحة 2020-2021، فقد يعمل كوسادة تحمي أسواق التشفير من الهبوط الحاد. في هذا السيناريو، حتى مع توقف الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة، يمكن للسيولة المحقونة أن تدعم الأسعار.

في هذا الإطار التفاؤلي، يُقدّر "جيف مي" أن البيتكوين يمكن أن يصعد إلى النطاق بين 92,000 و 98,000 دولار، مستفيداً من استمرار تدفقات الاستثمار في صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs) والتي تجاوزت 50 مليار دولار، بالإضافة إلى التراكم المستمر من قبل المستثمرين المؤسسيين. كما يمكن أن يتجه سعر الإيثيريوم نحو 3,600 دولار، بدعم من التحسينات التقنية في شبكات الطبقة الثانية (Layer-2) التي تعزز كفاءته، والعوائد الجذابة من أنظمة "إعادة التملك" (Restaking) التي تجتذب مستخدمي التمويل اللامركزي (DeFi).
الخلاصة: السيولة قد تكون العامل الحاسم
باختصار، تشير التحليلات إلى أن تأثير الفيدرالي على أسواق التشفير في الربع الأول من 2026 لن يُحدده عامل واحد فقط (أسعار الفائدة)، بل من خلال تفاعل عدة سياسات. بينما قد يُحدث وقف خفض الفائدة ضغطاً هبوطياً، يمكن لبرامج دعم السيولة مثل "عمليات شراء إدارة الاحتياطيات" (RMPs) أن توفر دعماً خفياً واستقراراً للأسعار.
لذلك، يُنصح المستثمرون والمتابعون بمراقبة كلا المؤشرين: القرارات الرسمية لأسعار الفائدة، وحجم ونطاق البرامج التي يطلقها الفيدرالي للحفاظ على سيولة النظام المالي، حيث قد يكون الأخير هو المحدد الحقيقي لاتجاه البيتكوين والإيثيريوم في الأشهر المقبلة.
---
تنويه: المحتوى أعلاه هو عرض وتحليل للمعلومات الواردة في المصدر المذكور فقط، ولا يُعتبر مشورة أو توصية استثمارية. جميع قرارات الاستثمار تنطوي على مخاطر، ويجب على الأفراد إجراء البحث المناسب وربما الاستعانة بمستشار مالي مختص قبل اتخاذ أي قرار.

