في العادة، ينظر المستثمرون إلى الذهب والبيتكوين على أنهما أصلان يتحركان في اتجاهين متعاكسين، فالذهب يمثل الملاذ الآمن التقليدي، بينما يُصنّف البيتكوين كأصل عالي المخاطر. لكن في بعض الفترات، ومن بينها ما نشهده اليوم، نرى الأصلين يرتفعان معًا، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة لدى المتداولين: لماذا حدث ذلك؟ وهل صعود البيتكوين الحالي حقيقي أم مجرد مصيدة؟

أولًا: لماذا ارتفع الذهب والبيتكوين في الوقت نفسه؟

الارتفاع المتزامن للذهب والبيتكوين لا يعني أن العلاقة بينهما تغيّرت جذريًا، بل يشير غالبًا إلى مرحلة خاصة من دورة السوق. هناك عدة عوامل تفسّر هذا السلوك:

1. البحث عن التحوط خارج النظام النقدي التقليدي

عندما تزداد المخاوف المتعلقة بالتضخم، أو الديون السيادية، أو استدامة السياسات النقدية، يتجه المستثمرون إلى الأصول التي لا يمكن طباعتها أو التحكم بها مركزيًا. الذهب يمثل هذا الدور تاريخيًا، بينما يُنظر إلى البيتكوين بشكل متزايد كبديل رقمي يؤدي وظيفة مشابهة، ولو بدرجة مخاطرة أعلى.

2. وفرة السيولة في نهاية العام

الفترات القريبة من نهاية السنة تشهد عادة إعادة تموضع للمحافظ الاستثمارية، وضخ سيولة إضافية في الأسواق. هذه السيولة لا تميّز كثيرًا بين أصل “آمن” وآخر “مخاطر”، بل تتجه إلى كل ما يمكن أن يحافظ على القيمة أو يحقق عائدًا قبل إغلاق السنة المالية.

3. ضعف الثقة بالعملات الورقية

عندما يتراجع أداء الدولار أو تزداد التوقعات بتيسير نقدي مستقبلي، يصبح الذهب والبيتكوين وجهتين طبيعيتين للتحوط، ما يؤدي إلى صعودهما معًا بدل التحرك العكسي المعتاد.

4. تغيّر طبيعة البيتكوين السوقية

دخول المؤسسات، وظهور منتجات استثمارية منظمة مرتبطة بالبيتكوين، جعلاه أقل ارتباطًا بسلوك المضارب الفردي فقط، وأكثر تأثرًا بالتدفقات المالية الكبرى، ما يخلق فترات يتحرك فيها جنبًا إلى جنب مع الذهب.

ثانيًا: ماذا تقول نسبة البيتكوين إلى الذهب؟

قياس أداء البيتكوين مقابل الذهب يعطي صورة أوضح من النظر إلى السعر بالدولار فقط. عندما ترتفع نسبة BTC/XAU فهذا يعني أن البيتكوين يتفوق على الذهب، والعكس صحيح.

حاليًا، هذه النسبة تتحرك قرب مناطق مقاومة مهمة، بعد ارتداد من مستويات دعم واضحة. هذا التمركز الحساس يعني أن السوق أمام مفترق طرق: إما تأكيد قوة البيتكوين أو فشل الصعود.

ثالثًا: هل صعود البيتكوين مصيدة؟

الحديث عن “مصيدة” يعني صعودًا قصير الأجل يجذب المشترين، ثم يعقبه هبوط حاد. في الوضع الحالي، يمكن تلخيص الصورة كالتالي:

مؤشرات قد تدعم فكرة المصيدة:

البيتكوين لم يخترق بعد مناطق مقاومة تاريخية حاسمة.

الزخم أقل قوة مقارنة بزخم الذهب.

الصعود يبدو مدفوعًا بالسيولة أكثر من كونه مدفوعًا بتغير هيكلي واضح في الاتجاه.

مؤشرات تقلل من احتمال المصيدة:

السعر ما زال يحافظ على مناطق دعم قوية.

نسبة البيتكوين إلى الذهب لم تنكسر هبوطيًا.

الاهتمام المؤسسي طويل الأجل بالبيتكوين لم يتراجع.

بمعنى آخر، الصعود الحالي ليس مؤكدًا كاتجاه صاعد مستدام، لكنه أيضًا ليس مصيدة واضحة حتى الآن.

الخلاصة

ارتفاع الذهب والبيتكوين معًا لا يُعد تناقضًا، بل انعكاسًا لمرحلة يسودها القلق من النظام النقدي التقليدي مع وفرة سيولة تبحث عن ملاذات بديلة.

أما البيتكوين، فهو يقف حاليًا في منطقة اختبار حقيقية:

إما أن يؤكد قوته باختراقات واضحة، أو يفشل ويعود إلى نطاقاته السابقة.

في هذه المرحلة، الحذر وإدارة المخاطر أهم من مطاردة السعر، ومراقبة أداء البيتكوين مقابل الذهب قد تكون أداة أكثر دقة من متابعة السعر مقابل الدولار وحده.